ماذا يجري في لبنان؟ افلاس الدولة والشعب والمؤسسات
يتجه لبنان بخطى ثابثة نحو هاوية جهنم الإقتصادية وما سيتبعها من تداعيات أمنية وإجتماعية كما بشر رئيس الجمهورية اللبنانيية منذ أشهر حيث صدق الرئيس لأول مرة في عهده في وعد أعلنه للملأ محققاً مفسدة وطنية ليست على غرار البرامج الإنتخابية الواعدة المليئة بالاماني والتمنيات والوعود الكاذبة الخاطئة.
باختصار فإن لبنان بدات أزمته الإقتصادية الحقيقية عام 1983 عندما كان سعر صرف الدولار حوالي الخمس ليرات لبنانية, فكانت تداعيات الحرب الأهلية على الإقتصاد اللبناني انهيارا دراماتيكيا لليرة اللبنانية امتد على مدى تسعة اعوام حيث بلغ سعر صرف الليرة عام 1992 ثلاثة آلاف ليرة لبنانية أي بزيادة ستمائة ضعف, حيث انهار كل شيئ وبلغ دخل المواطن عشرة دولارات شهريا.
مع تبوا الرئيس الراحل رفيق الحريري سدة الحكم في لبنان وبتفاهم سوري سعودي أمريكي فرنسي, هدأت وطأة الإنهيار وعاد سعر صرف الليرة إلى سعر 1500 ليرة, مزيلا 50 بالمئة من التضخم والإنهيار الإقتصادي, فشعر اللبنانيون ببارقة أمل واستعادوا بعضا مما خسروا في الأزمة الإقتصادية, وتخدروا بوعود الحريري لهم بلبنان جنة في الشرق الأوسط الجديد.
اعتمد الحريري على التفاهم الدولي الذي ذكرناه, بتأمين عامل الإستقرار في لبنان حتى يتمكن من انجاز وعوده وتحقيق حلمه بلبنان دولة رائدة في محيطها العربي جاذبة للسياحة والإستثمار ومركزا للخدمات للعالم العربي, وبدا الحريري بتحقيق أجندته فعليا بإعادة إعمار ما تهدم وتنفيذ مشاريع البنى التحتية وتأمين الماء والكهرباء والإتصالات والمواصلات والطرق والمطار.
إقرأ أيضا الأسباب الحقيقية لانهيار العملة التركية
اصطدم الحريري خلال أشهر بسيطة من بدء ولايته بتمحور لبنان متحالفا مع سوريا ومدعوما من ايران في محور ممانع ومناهض للسياسات الأمريكية في المنطقة, وخروج سوريا من عملية السلام مع اسرائيل وتموضعها من خلال المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله متراسا في وجه اسرائيل في حلقة توتر مفرغة اشعلت حروبا ضروس أعوام 1993 و 1996 معرقلة مشروع الحريري مما دفع الأخير لزيارة العالم كله خلال ثلاثة أيام لينتزع اعنرافا دوليا بحق لبنان في الدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل سُمي بتفاهم نيسان 1996, كان انتصارا لحزب الله وتكريسا للسياسات السورية والإيرانية في لبنان ومزيد من العرقلة لمشروع الحريري ومزيد من الخسائر الإقتصادية والمالية والإجتماعية للبنان دولة وشعبا ومؤسسات.
في تلك الفترة كان سياسات الحريري تعتمد على الإقتراض والهبات والمنح والقروض الميسرة لتنفيذ مشاريع اقتصادية وإنمائية, لا تؤتي أُكُلها بسبب فقدان عامل الإستقرار والأمن, وكان الإقتصاد اللبناني فعلياً عاد ليتدهور من جدبد ولكن علاقات الحريري الدولية وهندسات مصرف لبنان المالية كان تمسك بسعر صرف الدولار وتمنعه من الإنفلات وتُثبته على سعر 1500 ليرة سعرا وهميا يغطيه الوهم الإقتصادي القائم على المسكنات المؤقتة.
إقرأ أيضا لبنان أمام خيارين إما إفلاس الدولة أو الشعب
بعد اغتيال الحريري وتوقف معظم الاموال الخارجية الآتية من الخليج والدول الأوروبية المانحة توجهت السياسات المالية لمصرف لينان للإستعاضة عن هذا النقص باستعمال اموال المودعين في المصارف بأساليب ترغيبية للمصارف وأصحاب رؤوس الاموال بإقراض مصرف لبنان بفوائد خيالية مرتفعة, لم يكن مصرف لبنان يستطيع إعادتها ولكنه استطاع أن يستعملها ويغطي عجز الدولة اللبنانية ويمول خزينة الدولة من خلالها.
وبما ان الدولة كانت غير منتجة ولا تملك إيرادات كافية لسد ديونها أمعنت بالإقتراض واستعمال أغلب الودائع الموجودة في المصارف, بطريقة فوضوية غير مدروسة مولت من خلالها مشاريع يشوبها الفساد والعمولات والهدر والسرقات, ومعظمها لم يؤدي لأي نتيجة ملموسة تصب في تطور الدولة وتحسين مرافقها وخدماتها وبناها التحتية, ووصلنا للعام 2019 إلى معادلة معقدة دراماتيكية دولة وشعب ومصارف وخزينة مفلسة.
Pingback: ماذا يجري في أثيوبيا؟ - كورساتي