دول الخليج ولبنان: غرام وانتقام
منذ قيام دولة لبنان الكبير وتأسيس دول الخليج مطلع القرن العشرين تكونت علاقات متميزة بين لبنان الحضاري المتوج بتاج الغرب ودول الخليج النامية المتوجة بتاج النفط.
اعتبر الخليج ان لبنان هو الانموذج والامثولة الحية للتحضر العربي السائر نحو الحضارة الغربية بخطى واثقة وناجحة, لذلك اعتمد الخليج على اليد العاملة اللبنانية المتخصصة في بناء كيانه الجديد الذي يحتاج إلى اليد العاملة الأجنبية الخبيرة فكان للبنان الحصة الأكبر.
اعتبر الخليج لبنان حديقة أمامية وليست خلفية, وكان لبنان وعلى مدى عقود طويلة بالنسبة للخليج:
- المستشفى: وذلك بسبب وجود مستشفيات عريقة وحديثة ووجود أطباء أكفاء تعلموا في الخارج واكتسبوا سمعة طيبة.
- المصرف: اعتبر العرب لبنان مكانا آمنا لإيداع اموالهم بدلا من سويسرا وذلك لتوفر السرية المصرفية في لبنان وثانيا لثقتهم بالمصارف اللبنانية.
- الإستثمار: توجهت رؤوس الاموال الخليجية إلى لبنان للإستثمار في مختلف المشاريع والمؤسسات والشركات حيث كانت الليرة اللبنانية تنافس الدولار والعملات الاجنبية الأخرى, ولوجود كثافة في المشاريع الإستثمارية وخاصة الخدماتية والسياحية التي نشطت في لبنان.
- السوق العقاري: تملك الكثير من اهل الخليج عقارات مبنية وغير مبنية في لبنان, وأقاموا منازل وقصور وتملكوا أهم العقارات وخاصة في بيروت والجبل.
- المصيف: كان لبنان بالنسبة لأهل الخليج المصيف والمتنفس والرئة التي من خلالها يستنشقون هواء لبنان الجميل المفعم بعبق الصنوبر وزهر الليمون ويتمتعون بمناخه المعتدل صيفا والمثلج شتاءً.
- الفندق والملهى والمطعم: لتمضية أجمل الأوقات والسهرات وتناول أطيب الأطعمة.
- التسوق وخاصة الماركات الاجنبية الشهيرة التي كانت متوفرة في السوق اللبناني.
- الجامعة والمدرسة: إذ عمد الكثير من الخليجيين إرسال أبنائهم إلى لبنان للتعلم في الجامعات والمدارس وخاصة الأجنبية كالجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة العربية فترة الستينات.
- منطقة عربية وإسلامية راقية مزدهرة متماهية مع الغرب فيها كل ترف الغرب وتطوره وفي نفس الوقت يتكلمون العربية ويدين قسم كبير من اللبنانيين بدين الإسلام حيث انتشرت المساجد الخليجية في المصايف اللبنانية, رغبة منهم باداء الصلوات وخاصة الجمعة في مناطق ذات أغلبية مسيحية أو درزية.
- المشتى: في الشتاء كان أهل الخليج يقصدون لبنان بهدف التزلج على الثلج والإستمتاع بالمناظر الخلابة والإقامة في الفنادق الجبلية وسط الثلوج.
كل ما سبق كان مبني على أمرين أساسيين:
الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي الذي تمتع به لبنان طوال خمسين سنة قبل الحرب الأهلية 1975, وعشرون عاما بعد انتهاء الحرب الاهلية عام 1990.
العلاقات المتميزة والحميمية والمتحالفة مع الخليج مع الطبقة السياسية اللبنانية والتي تتوجت كثيرا بالمصاهرة, وما الأمير الوليد بن طلال إلى اميرا سعوديا من ام لبنانية من آل الصلح أعرق العائلات البنانية, وجده الرئيس رياض الصلح مؤسس الجمهورية اللبنانية الحديثة وشهيدها.
توطدت العلاقة أكثر مع منح الجنسية السعودية للراحل رفيق الحريري عام 1978 ووصول الأخير إلى سدة رئاسة الحكومة في لبنان عام 1992, حيث عرفت العلاقات السعودية اللبنانية عزها إلى أن تم اغتيال الرئيس الحريري, وتوجهت كل أصابع الإتهام إلى حلفاء ايران في لبنان, وكانت تلك بداية تراجع نلك العلاقات تدريجيا.
أسباب توتر العلاقة والقطيعة الحالية:
اولا سيطرة حزب الله على مختلف مرافق الدولة سرا وعلانية ومسكه بزمام الأمور في البلد بشكل تصاعدي منذ العام 2005 وحتى يومنا هذا
ثانيا التعرض الدائم لدول الخليج بالإساءات اللفظية وتمركز قسم كبير من اللبنانيين مع ايران في مواجهة الخليج.
ثالثا مشاركة حزب الله وحلفاؤه بالإعتداء المباشر على دول الخليج أمنيا واقتصاديا وصحيا من خلال دعم الحوثي وتدريب عناصره وادخال المخدرات الى المملكة والمشاركة في الإعتداء على مصالح دول الخليج في الداخل والخارج.
رابعا انضمام شريحة كبيرة من المسيحيين للمحور الإيراني بتحالفهم مع حزب الله خاصة رئيس الجمهورية وتياره السياسي بحيث يقوم العديد من المسيحيين بمهاجمة دول الخليج والانتقاص من كرامتهم السيادية.
خامسا انفاق اكثر من ثمانين مليار دولار من قبل دول الخليج على لبنان والوقوف معه في كل محنه, إلا أن لبنان أو جزء كبير منه وقف ضد دول الخليج في محنتهم الأخيرة في حربهم في اليمن.
سادسا فقدان لبنان دوره ولونه وطعمه ونكهته المتعددة الحضارارت والمختلفة الاوجه, من خلال سيطرة التيار الإيراني ذا العقيدة والتوجه والأعمال المعادية لدول الخليج.
القشة التي قسمت ظهر البعير: قرداحي
ما قامت به دول الخليج مؤخرا لم يكن رد فعل على كلام قرداحي بقدر ما جسد قرداحي المشهد اللبناني الخليجي بامتياز, فقرداحي نشأ وترعرع وكسب ماله وشهرته وموقعه من خلال القنوات الإعلامية الخليجية وخاصة السعودية, إلا أن القرداحي لم يعطي هذا الواقع أي اعتبار وقام ويقوم بقول وفعل ما يجرح شعور أهل الخليج ويهدد امنهم السياسي والإقتصادي والصحي والإجتماعي.