الدور الوظيفي للأمم والشعوب
الدور الوظيفي للأمم والشعوب هو الدور الذي من أجله نشأت ومنه انيثقت ومن أجله تعمل وبه تستمر وتنمو وتتطور وتزدهر, والأمم والشعوب التي تفقد دورها الوظيفي أو بمعنى أصح لا تقوم على دورها الوظيفي تكون قد بدأت أول خطوة نحو التخلف والتقهقر والتراجع وحكمت على نفسها بالإنقراض والتلاشي والذوبان في خلاط الأمم وصولا إلى انتهاء وجودها وزوالها.
لو أخذنا المجتمعات العربية كمثال لنتعرف على أسباب نشأتها لوجدنا أن السبب هو الفتوحات العربية التي كانت تهدف إلى إيصال رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, ولو أخذنا المجتمع التركي لنتعرف أيضا على سبب نشأته لوجدنا أن السبب هو وصية عثمان بن أرطغل لأبنائه والتي قام مضمونها الأساسي على حماية ورعاية العالم الإسلامي وتوحيده والذود عنه.
فسنرى تكاملا وتوافقا بين الدور الوظيفي لكلا المجتمعين, العربي والتركي, الأول نشر رسالة النبي والثاني استكمال الهدف الأول مع الحرص على الدفاع والحماية والتوحيد.
لنرى ماذا حلَّ بالأول بعد تخليه عن دوره الوظيفي, فقد منيت المجتمعات العربية بهزيمة نكراء كانت الاولى والفاتحة لعدة هزائم ونكبات ونكسات, حين نكست بريطانيا في وعدها مع الشريف حسين وتقاسمت هي وفرنسا البلدان العربية بعد تفتيتها وتجزئتها وإحياء دور الأقليات المندثرة في داخلها.

والثاني اودت الحرب العالمية الأولى بإمبراطوريته الممتدة على ثلاث قارات وبدأت القوة المنتصرة مع نهاية الحرب العالمية الأولى بنهش قلبه الحي اسطمبول والمدن الواقعة على تخوم اليونان وروسيا.
العرب وللأسف اختاروا أساليب حكم تتنافى مع معتقداتهم الأصيلة وتبرأوا من أساس وجودهم واعتبروه رجعية وتخلف وركبوا ركب النظريات المستجدة في العالم العربي كالقومية والبعثية والإشتراكية والعلمانية والليبرالية والملكية والعسكرية والبوليسية.

أما الأتراك اختاروا الركب الغربي وامعنوا في التغريب ووجدوا أنفسهم في الثمانينات والتسعينات امام مأزق خسارة الهوية والثقافة الأم وامام أزمة اقتصادية واجتماعية مريعة, فجددوا العهد الذي كان بينهم وبين عثمانهم الأول وبدأوا باستعادة قوة ارطغرل وكفاية سليمان شاه واستراتيجية عثمان الأول وتكتيكات محمد الفاتح والسلطان سليمان القانوني, فساروا صعودا منذ نهاية التسعينات وخطوا خطوات كبيرة نحو الإستقلالية والحفاظ على الهوية والكفاية الإقتصادية والعمل الدؤوب فخرجوا من انفاق الإنهزام والتقوقع وساروا على درب التميز والنجاح والقوة والفعالية الدولية والإقليمية والعالمية.
إلا أن منظومة التبعية العربية, التي غرق فيها العرب, تعد حالة استثنائية تاريخياً، لأنها تكاد تكون أكبر منظومة عرفها التاريخ تعمل وفق منهج متناهي الانضباط والدقة لتنفيذ المشيئة الغربية على امتداد هذه المساحة الجغرافية الهائلة من الوطن العربي الكبير، فضلاً عن احتفاظها بقدرة عجيبة على العمل لعقود طويلة بما يصادم إرادة مئات الملايين من شعوب المنطقة.
إن قدرة هذه المنظومة الإقليمية على الدفاع بشراسة ودموية عن هذا الدور لا يقل براعة عن قدرتها على الظهور، أمام شعوبها، بمظهر الفضيلة طوال عقود مضت؛ الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة على فكرة استقلال العالم العربي في مجمله.
Pingback: الأغلبية هي التي تحدد الحقيقة لكن أي حقيقة؟ - كورساتي