الاضطرابات النفسية في ظل الازمات المعاصرة
المادة تغلبت على الروح
الحياة المادية التي نعيشها والمكونة من الإسمنت والأسفلت والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والرقمية وعالم الإنترنت ووسائل التواصل الرقمية الإفتراضية المسماة اجتماعية ووسائل النقل السريع من السيارة حتى المركبات الفضائية جعلتنا نبتعد عن طبيعة الأشياء الحقيقية والفطرة الإنسانية البشرية السليمة والعلاقة المباشرة مع الطبيعة بأرضها وسماءها وما يخرج منها وما ينزل اليها, وحيواناتها ونباتها وحتى بشرها.
تقاصر الزمن
السباق مع الوقت جعل الزمن يتقاصر والأعمال تتعاظم والنتائج لا تُرضي وسقف الطموح أصبح العجز سيما أن الطموح الذي لا أفق له ولا رضى ولا حدود يولد الشعور بالعجز وعدم الكفاية والرضى, وعدم النظر إلى مستوى المطلوب وما دونه بل استدامة النظر صعودا حتى يرتد إليك البصر خاسئا وهو حسير وتحسب نفسك تسير وأنت للانهاية أسير واللانهاية ليس ضمن استطاعة البشر وقدرتهم على التحمل.
كل المجتمعات اليوم تعاني من مظاهر صحة نفسية غير جيدة، وهذا يعود في جزء منه إلى طبيعة المجتمع الحداثي التي تتميز بالتعقيد والتركيب وعدم الاستقرار والحراك سريع الوتيرة، وما يخلفه ذلك من شعور بالغموض والقلق والرتابة, وترتفع معدلات الاضطرابات النفسية في ظل وجود الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، خاصةً عندما يرتبط ذلك بالإقصاء والهجرة القسرية والاضطرار إلى ترك الأوطان.

منصة أعد تتيح الدفع بالملات الرقمية https://aiacademy.info/blog
التنمية والتغيير
يبدو لنا أن التطلع إلى التنمية والتغيير الاجتماعي، لا يستقيم والصحة النفسية لمجتمعاتنا بهذا السوء. فالتنمية وحلم التقدم والتطور يحتاجان إلى إرادة حقيقية وطموح مرتبط بالواقع وطاقة إيجابية مرتبطة بالطبيعة الإنسانية وروح متحدّية مرتبطة بالفطرة البشرية السليمة وذات عزم وهمّة مرتبط بالسماء وتعاليم الوحي الإلهي، للوصول إلى مجتمعات تنعم بالحدّ الأدنى من الصحة النفسيّة.
الماضي والحاضر والمستقبل
وإذا ما دققنا النّظر قليلاً في طبيعة الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً في المجتمعات العربية سنجد أنّها تتوزع بين أمراض تعود إلى أسباب متصلة بالماضي, وعلاجه بالآية القرآنية (لكي لا تأسوا على ما فاتكم) سورة الحديد، ومن جهة ثانية هناك علاقة متوترة مع المستقبل من خلال أمراض القلق والاكتئاب، وحالة من عدم الرضى عن الواقع الحالي, وهي في مجملها وليدة الأزمات والصعوبات الاقتصادية، بدليل أن الفئة العمرية المستهدفة أكثر من غيرها بالقلق المستمر والاكتئاب بمختلف درجاته هي الشباب المعنيون ببناء مستقبلهم وتأمين الاستقرار الاقتصادي الذي يمكنهم بدوره من تحقيق السعادة الشخصية.
لا اعتبار لها
والأخطر من حدة تدهور الصحة النفسية للإنسان العربي اليوم هو أن الناحبة النفسية لا اعتبار له، ولا يندرج ضمن الأمراض التي تستوجب المعالجة والمتابعة, بل إن الجهر بالمشكل النفسي يعد في التمثلات العربية للأمراض النفسية فضيحة لصاحبه، ووصمة عار ستظل تلاحقه حتى وإن تجاوزها.
العلاج
يعتمد العلاج على مساعدة الذات بالعمل على تحفيز قيمة المرونة النفسية ، (القدرة على تحمُّل الضغوط في مواجهة الأزمات والمواقف العصيبة)”بتعزيز قوتك الداخلية، وقدرتك على التعامل مع المواقف العصيبة، ومهارتك في المثابرة في الوقت الذي توشك فيه الإخفاقات أن تتغلب عليك، ستكتسب قدرة حقيقية على تحمُّل الضغوط، وستتطور لديك شخصية تتسم بالقدرة على الصمود”.
self service
هذا يعني ضمنًا أن اجتياز الأحداث العسيرة في الحياة هي سمة من السمات الشخصية التي يمكن تنميتها. وقد يساعد في ذلك بالطبع ممارسة الرياضة، والحصول على التغذية السليمة، والتحدث إلى النفس بطريقة مُحفِّزة. غير أن علماء الأعصاب يدركون أن القصة ليست بهذه البساطة، وأن بعض الأشخاص قد يكونون مهيئين على نحو أفضل منذ الولادة للتعامل مع الشدائد.
Pingback: بين المادية والروحية - كورساتي